من الوجهة الإيمانية هناك نوعان من الأحلام:
1 – الأحلام الغيبية الصادقة وهي إشارات من المولى إلى النائم ومنها أمر سماوي واضح لا يتطلب التأويل كرؤيا سيدنا إبراهيم الذي أمره المولى في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام (فلما بلغ معه السعي قال يا بُنيَّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى...) (الصافات/ 102).
- وكذلك رؤيا الرسول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إذ يريكهم الله في منامك قليلاً...) (الأنفال/ 43).
- ومنها أحلام غيبية صادقة غير واضحة تتطلب التأويل كرؤيا سيدنا يوسف (ع) ورؤيا "صاحب السجن" مع يوسف ورؤيا ملك مصر أيام كان يوسف مسجوناً (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبّئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) (يوسف/ 36) وتأويل هذا النوع من الرؤيا هو عطاء من الله لا يعلمه إلا القليل: (... ولنُعلِّمه من تأويل الأحاديث...) (يوسف/ 21).
(يا صاحبي السجن أمّا أحدكما فيسقي ربه خمراً وأمّا الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) (يوسف/ 41).
والعلم لا يستطيع إلا أن يقر بوجود هذا النوع من الأحلام الغيبية الصادقة التي تحصل كل يوم، فالواقع والإحصاءات والتحقيقات الرزينة تؤكد صدق وحصول ما أنبأت به لاحقاً، إلا أن العلم يبقى عاجزاً عن تعليل ذلك، ما دام لم يقر ويعترف بوجود الله والروح! أما تعليلها بنظرية الصدقة فهذا منطق الإفلاس العلمي والجدلي العاجز، لذلك كان النوم والأحلام يشكل 25% منه، ومن آيات الله أي من البراهين الدالة على وجوده (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إنّ في ذلك لآيات لقوم يسمعون) (الروم/ 23).
- والعلم بالرغم أنه درس الأحلام، وعرف شيئاً عن مراكزها العصبية في الدماغ وجذع الدماغ خاصة، يبقى عاجزاً عن فهم آلياتها ومسبباتها ولماذا ينسى النائم لأكثرها عند اليقظة ما دام النائم يحلم ربع مدة نومه تقريباً.
- أما إذا أسلمنا بأن الروح خلال النوم تترك الجسد جزئياً وتصعد إلى خالقها فترتاح بلقائه فترى ما يسمح المولى برؤيته وتذكره وكما يرتاح الجسد وقتياً من ثقلها ووقعها عليه، ربما فهمنا شيئاً من أسرار النوم والأحلام بالعمق، وربما فهمنا خاصة معنى الأحلام الغيبية التي لا يستطيع الواقع والعلم إلا أن يقر بوجودها!!
وكثير من المشاكل المستعصية والاكتشافات والأفكار والنظريات العلمية وجدت حلاً خلال النوم، ربما لأن الروح بتخلصها المؤقت خلال النوم من شوائب الجسد وأهواء النفس، ساعدت العقل على حل ما استعصى عليه خلال اليقظة!! فالروح هي علة فهم الأشياء التي يصعب حلها في الأحياء، ومنها مسألة النوم والأحلام... ومن هنا نشأ علم جديد هو "البارسيكولوجيا" الذي يدرس في الجامعات الغربية مع علم النفس منذ عشرات السنين فقط.
- والعلم من وجهة مادية بحتة لا يستطيع أن يشرح بالعمق الآليات والمسببات للعوارض الفيزيولوجية التي تحصل في الأحلام كالتغيرات في المخطط الكهربائي الدماغي خلال النوم والأحلام، كذلك التغيرات في الثوابت الفيزيولوجية، كنبضات القلب والضغط الشرياني ونسب المواد الكيميائية الموجودة في الدم وعمل سائر أعضاء الجسم، أما إذا سلمنا بوجود الروح وبأنها المحرك الأول الأساسي في كل حي، فربما استطعنا فهم الكثير عن النوم والأحلام، لذلك كان النوم من آيات الله، وما لم نسلم بوجود الروح وخالق الروح فلن نفهم في العمق شيئاً يذكر عن
النوم والأحلام!
2 – والنوع الثاني من الأحلام هو ما نسميه بالأحلام النفسية التي تنشأ عن المشاكل النفسية المستعصية سواء كانت معروفة واعية أو مدفونة في أعماق اللاوعي منذ السنوات الأولى من الطفولة. وهذا النوع من الأحلام يدرسه علماء التحليل النفسي لسبر أغوار المشاكل النفسية عند الناس والمرضى النفسيين، فالحلم حسب تعريف "فرويد" هو الطريق الملكية التي تقود إلى اللاوعي؛ إلا أن مشكلة المحللين النفسييين كفرويد وغيره، أنهم يدرسون الأحلام انطلاقاً من نظريات مسبقة عندهم ويستعملون الأحلام تأييداً لنظرياتهم هذه، من هنا تضارب الآراء بشأن الأحلام وقيمتها ككاشف للنوازع النفسية الدفينة عند المهتمين بهذا النوع من العلوم؛ وعندما تتضارب النظريات نحن نتلمس الحقيقة دائماً في كتاب الله العظيم وأحاديث رسوله الكريم.
_________________