Admin Admin
عدد الرسائل : 440 تاريخ التسجيل : 23/04/2007
| موضوع: الدعاء وأثره في الحياة... الثلاثاء مايو 08, 2007 7:46 pm | |
|
أولا : الدعاء كنز لأنه قوة تعين الإنسان في مجابهة الصعاب والشدائد، ونعمة في حالة الرخاء .
ثانيا : تكمن في حقيقة الدعاء قمة العبودية، حيث إظهار الافتقار إلى الله عز وجل، والتبرؤ من الحول والقوة إلى حول الله وقوته وهو سمة العبودية واستشعار الذلة الاحتياج إلى الله وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود والكرم إليه فهو الجواد الكريم المعطي، له الأسماء الحسنى والصفات العليا .
وبه تظهر قوة الاستسلام لله والتسليم بأمر الله وحده حيث إسقاط التدبير، والثقة فيما يأتي من عند الله والتعامل معه بالحب والصفاء والطهر، فيرتقي الإنسان إلى حيث ما يرضاه الله له بأن يكون عبدا ربانيا يقول للشيء كن فيكون . فالدعاء ابتهال إلى الله تعالى بالسؤال، والرغبة فيما عنده من الخير والتضرع إليه في تحقيق المطلوب وإدراك المأمول، وهو بهذا المعنى إحساس من الفرد بعبوديته لله الواحد .
ثالثا : يتبلور في الدعاء معاني الذكر الجامعة من خشوع وخضوع وتبتل وابتهال وخوف ورجاء وذلة وانكسار وتوبة واستغفار وتكبير وتسبيح وتحميد وثناء، وتوجه كامل للذات العليا .
فهو خلق كامل التكوين معتدل الصورة فيه انطلاق الأمل والرجاء، وفيه ارتسام البسمة على الشفاه، وفيه قوة الإيمان واليقين، وحياة النفس والروح، ودفء الدم المتدفق من القلب إلى الشرايين، وهو مغناطيسية السماء إلى الخلق، وهو السلوك التربوي الذي يشعر الإنسان بإنسانيته، وهو العروة الوثقى التي يتعلق بها العبد فيما هو بسبيله من أعمال، وفيما هو قادم عليه من أهوال، فيكون مستأنسا برعاية ربه مطمئنا إلى معونته وصدق الله إذ يقول : " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله "، الرعد : 28
رابعا : وأول من سلك سبيل الدعاء آدم عليه السلام، حيث تعلم من الله الدعاء إليه، واللجوء إليه نادما مستغفرا داعيا طالبا رحمة الله ورضوانه .
ولجأ آدم الله مستغفرا، نادما، منيبا، فلما كان ذلك، تاب الله عليه، يقول سبحانه وتعالى : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم "، البقرة: 37.
أما هذه الكلمات التي اتجه بها آدم إلى الله وكانت نتيجتها توبة الله عليه فهي :
" قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "، الأعراف: 23.
والدعاء هو نداء من الأدنى إلى الأعلى، ولا يتوجه بالدعاء إلا لمن قدرته فوق قدرات الداعي … فإننا نتوجه بالدعاء إلى الله عز وجل لأنه سبحانه لا يستعصى عليه أمر في هذا الكون، فإنك تستغيث بالأعلى في هذا الكون لا تحكمه الأسباب، فتقول يا رب متوجها إلى تلك القوة والقدرة التي أوجدت هذا الكون وخلقت أسبابه .. وهو سبحانه وتعالى يحقق لك ما عجزت أسبابك عن تحقيقه .
وذكر الله واجب عند كل نعمة .. وشكره واجب عند الانتفاع بها … ويحب الله سبحانه وتعالى سماع أصوات عباده المؤمنين وهو يطلبون منه .. إنه يحب أن يسمع كلمة يارب من أفواههم … وربما أخر الإجابة ليستمروا في الدعاء ليسمع أصواتهم وهم يدعونه .
والدعاء مطلوب في كل وقت وفي كل مكان لأنه الصلة بين العبد وربه، فالإنسان إذا دعا الله واستعان به في كل وقت يصبح موصولا بالله ومن كان موصولا بالله فلا يضل ولا يشقى، والإنسان عندما يشعر ويستشعر ويؤمن ظاهرا وباطنا بأن الكون كله عاجز، وأن الله تبارك وتعالى وحده هو القادر … يقربه هذا من الإيمان الصحيح ويصبح من ذوى القلوب السليمة .
فالاستعانة بالله في كل الأمور هي الطريقة المثلى للحياة المطمئنة لأن الإنسان يتذكر دائما أن الله بقوته وقدرته وجلاله معه، فيشعر بالاطمئنان يسري في كيانه لأنه لا عزيز إلا الله، ولا قادر إلا الله، ولا قوي إلا الله .
وإذا أغلقت جميع الأبواب فإن بابه مفتوح دائما فيه الخير كله، وفيه ما ينشده كل إنسان، والأمر لا يتطلب سوى الصدق والإخلاص في أن تطرق الباب وتفتح .
وأنت بدعائك تستند إلى حبل وركن متين لأنه سبحانه هو الحي الذي لا يموت، القادر على كل شئ القيوم على كل شئ، العليم بكل شيء، بيده الأمر كله، وعليه تتوكل الأنفس، وتسجد القلوب طالبة القرب والرضا في الرحمة والحب ونور الطريق .
الدعاء يشعرك بالضعف أمام قوة الله .. وقدرته، إنه يمحو فيك الاستغناء بالأسباب وغرور النفس، وما دمت قد قضيت على الكبر والغرور بالأسباب في نفسك، فهذا يعني عين العبودية أو ذل العبودية وعز الطاعة، ففي الوقت الذي تشعر فيه أنك لا شئ وأنك محتاج إلى من ينصرك ويأخذ بيدك، وأدرت بصرك وسمعك وعقلك فيمن حولك، فلم تجد إلا الله سبحانه وتعالى ناصرا ومعينا .
فهذه هي العبودية الحقة، وهذا هو المطلوب … أن تظل عاجزا بالأسباب … مهما أوتيت من قوة الأسباب وقدرة الأسباب وتذكر القادر الذي بيده الأمر وحده، ولا تجد في الشدائد ملجأ إلا إليه … فإنك بذلك تكون قد حققت في نفسك معنى العبودية لله .
خامسا : إذا تأملنا الآيات الكريمة في القرآن الكريم التي تعبر عن توجيهات الله سبحانه وتعالى إلى عباده نجد أنها كانت تسبق بكلمة " قل " ما عدا الآيات الخاصة بالدعاء . قال الله تعالى : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان "، " البقرة:186"
لم يقل الحق تعالى: "قل إني قريب" لتكون هذه الإجابة من الله مباشرة إلى عباده، وذلك حتى نعرف أن الدعاء صلة مباشرة بين الله وعباده، وأن الله سبحانه وتعالى يريدها كذلك، فمتى رفعت يدك إلى السماء وقلت "يارب" تكون الصلة مباشرة بينك وبين الله سبحانه وتعالى، فقل ما شئت وادعو بما شئت، فسيبقى هذا بينك وبين ربك .
إن الحق سبحانه يريد أن يلفتنا إلى حقيقة واقعة وهامة وهي قربه سبحانه من عباده، وقرب عباده الصالحين منه، ويريدهم أن يناجوه ويدعوه في كل وقت وفي كل حالة .
ولذلك وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعانا إلى ربط جميع الأنشطة في الحياة بالله حتى لا نقع في الغفلة، وجعل لكل حالة دعاء " كما هو وارد في كتب الأذكار " .
فلا تربط دعاءك بالاستجابة بل اجعله دعاء خشوع وخضوع وتبتل وابتهال وتكبير وحمد وشكر واستغفار، وبذلك يكون دعاؤك عبادة .. عبادة تتجلى فيها نورانية وصفاء وحب لله وطهر، فتحظى بمقام القرب وتدخل دائرة النور الإلهي .
فليكن حظك من الدعاء هو الخشوع والخضوع مما يدل على اعترافك بعجزك أمام الله وأنك موقن يقينا ظاهرا وباطنا بقدرة الله عليك وهذه هي العبادة … وهذا هو الهدف الأسمى من الدعاء .
وما كان الأمر الإلهي بالدعاء إلا ليفيض الله سبحانه علينا بعطائه … ودائما يمتزج عطاء الله بلمسات حنانه الكبرى، ونسمات العناية الربانية التي تحيط بالعبد وتجعله في ظلال الرحمة، وتحرسه بعين الله التي لا تنام، وتكتنفه بركن الله الذي لا يرام، وتحفظه بعزة الله الذي لا يضام … وتحميه من كل سوء وأذى …
" الدعاء ولحظات من الصفاء "
| |
|